صار لكُتّاب سورية رابطة حرة طليقة تجمعهم طوعياً ومهنياً وليس قسراً أو اضطراراً لتحقيق مصلحة ما. كما صار لرابطة الكُتّاب السوريين مجلة حرة طليقة بدورها صدر عددها التجريبي في خريف سنة 2012 وجمع العددُ ما جمع من وثائق وأبحاث ومقالات وتعليقات تتناول ثورة الشعب السوري على حكم القهر والاستبداد والقمع العسكري – الأمني السلالي الأبدي.
واستُقبل العدد (صفر) باستحسان وقبول ملحوظين، وها هي رابطة الكُتّاب السوريين تصدر العدد الأول من مجلتها تحت اسم “أوراق” في خطوة على طريق تخليصنا مما اضطررنا إلى استبطانه، على مدى عقود، من قواعد وأصول للتعامل مع نظام القهر والاستبداد عبر التكتم والتقية والنفاق والتلاعب بالكلمات والتظاهر بالتصديق والقبول والاختباء وراء الرموز والتلميحات والإشارات المبهمة والقابلة لشتى التفسيرات.
رابطة الكُتّاب السوريين ومجلتها، كما الإنتلجنسيا السورية عموماً، مدينة بهذا كله إلى ثورة الشعب السوري المستمرة بتضحياتها الهائلة والتي ما كان لكُتّاب سورية أن يشرعوا في التخلص من هذه الإعاقات والعاهات وفي استرجاع حرياتهم لولاها.
من المفارقات المأساوية أن تكون الإنتلجنسيا السورية – بشعرائها وروائييها ومسرحييها وسينمائييها وكتّابها وصحفييها – مالئة الدنيا وشاغلة الناس وتنتمي، في الوقت ذاته، إلى بلد افتقر كلياً، وعلى مدى نصف قرن، إلى جريدة يومية واحدة قابلة للقراءة، أو إلى مجلة أسبوعية واحدة تحترم قرّاءها ليحترموها، أو إلى نشرة أدبية أو ثقافية أو علمية واحدة يمكن للانتلجنسيا السورية الفاعلة دوماً أن ترى شيئاً من نفسها فيها.
نريد لـ”أوراق” أن تكون خطوة أولى متواضعة على طريق خلاص سورية من هذا القحط الثقافي المعمم ومن هذا العدم الفكري المتعمد، على أمل أن ينطلق مثقفو سورية، في يوم غير بعيد، إلى تشكيل هيئاتهم الثقافية، ومنتدياتهم الأدبية، وحلقاتهم الفكرية، وجرائدهم اليومية، ومجلاتهم الفكرية، ومنشوراتهم الثقافية كافة، بعيداً عن كل ما يمكن أن يمت بصلة إلى ما كان يسمى بوزارات الثقافة والإعلام، وما كان يدعى باتحادات الكتّاب، وبكل ما كان عاملاً على تكبيل حرية الفكر والضمير والتعبير والتداول الحر للمعرفة والمعلومات.
شكل ربيع دمشق الذي أطلقته الإنتلجنسيا السورية سنة 2001 المقدمة النظرية و”البروفة” الأولية السلمية والمسالمة للربيع العربي عموماً، إذ أن مجموع الشعارات والمطالب والشكاوى والاحتجاجات والتطلعات التي نادت بها شعوب الربيع العربي المنتفضة – من تونس إلى مصر مروراً باليمن وليبيا والبحرين وسورية – موجودة كلها تقريباً، وبصيغة راقية وبصياغة واضحة، في الوثائق السياسية – النقدية – الثقافية التي طرحتها “حركة إحياء المجتمع المدني في سورية” ابتداءً ببيان الـ 99 الشهير الذي دشّن ربيع دمشق المقموع بشراسة استثنائية وليتبين فيما بعد أن ربيع دمشق المكبوت عاد تاريخياً في سورية على صورة ثورة شعبية عارمة على من قمعوه وتفتح عن أفكار وأشواق جاء زمانُ تحقيقها اليوم وحان وقت قطافها الآن.
ونريد لـ”أوراق” أن تكون جزءاً من هذا اليوم وتعبيراً عن هذا الآن لنكون جديرين بأن نكون أمة تحب شعراءها أكثر من عسكرها وجنرالاتها.