الانتخابات التي تمت بالتصويت الالكتروني للهيئة الجديدة لرابطة الكتاّب السوريين، واعلنت نتائجها الأربعاء الماضي، تشكل الإطلالة الديموقراطية الجامعة الأولى للمجتمع المدني، من البوابة الثقافية. فالثورة المستمرة منذ أكثر من عام والتي خلفت آلاف القتلى والمفقودين والجرحى والمعتقلين ودماراً أحدثته الآلة العسكرية للنظام ها هي تتنفس في مكان كان مصادراً، في المكان الثقافي، من خلال اتحادات لكتّاب معينة ومرتهنة للنظام. 40 عاماً من الاتحادات بلا كتاب، 40 عاماً من الكتّاب ولا اتحادات تشبههم وتعبر عن أحلامهم في الحرية، والكتابة الحرة، والكرامة، شأنها في ذلك شأن مختلف أدوات المجتمع المدني من نقابات وأحزاب وإعلام “مؤممة” ومصادرة ومسجلة بهويّة النظام. الرابطة الجديدة التي انتخبت تُعبّر بشكل كبير عن استقلالية تامة للأطر الثقافية (وسواها). استقلالية في التمويل وفي التعبير، وفي المواقف، فاتحاد كتاب أحادي بأعضائه هو ابن نظام أحادي بحكامه. والمهم أن الإطلالة الثورية لجامعة تتمثل بالثقافة. وهذا ليس قليلاً. البشائر في هيئة مبدعين ومفكرين قبل ان نلمسها مثلاً في السياسة وتحديداً في المجلس الوطني. سبقت الثقافة السياسة وانقساماتها والحسابات والمخاوف والحساسيات التي لمسناها في توجهات المجموعات التي تشكل المعارضة الثورية، بل ونجد في الأسماء التي انتخبت في الرابطة علامات تميز عن البنيات الأخرى التي إلى انجازاتها الكبرى في الثورة تعاني ما تعاني من عدم تبلور إطار لقيادتها التعددية.
وان تكون الثقافة في ثورة اجتماعية وتحريرية وسياسية وفكرية في الطليعة، يعطيها الصفة الطليعية الشعبية التي تختلف عن مصطلح “الطليعية” الغربية التي اقتصرت أحياناً على اثبات أهمية التقنيات والشكل والبيانات والمدارس والاتجاهات. مصطلح طليعية القرن العشرين “الأيديولوجي” بأفكار مسبقة وبنظريات جاهزة. الطليعية العربية الثقافية اليوم المتورطة تورطاً عميقاً في وجهات الثورة، تستمد طليعيتها من الناس، ومن الميادين ومن الواقع ومن المتحولات والاعتمالات والهواجس المتفجرة. ومن كل هذا تغرف أفكارها ومساراتها. أي التجربة هي التي تصنع الأسئلة، وليس التجريد فحسب. التجربة اليومية في كل الميادين، هي التي تجعل المنظور الديموقراطي غير ثابت في قواعد وشعارات أبدية. فاذا كانت الثورة لا تصنع مرة واحدة. ولا الديمقراطية تصنع مرة واحدة وكفى! فإن ذلك يعني أن الحرية غير محدودة والديموقراطية محددة، وان الحرية واسعة والديموقراطية ولأنها “ضيقة” بالنسبة للحرية فعليها ان تتوسع وتتحول باستمرار لتنضم إلى حرية الحركة عابرة التخوم والحدود. وهذا بالذات ما يقود إلى التعددية. الأحادية الفكرية قتل للحرية. وللديموقراطية. لأن هاتين الأخيرتين، لا تعيشان الا في فضاءات متغيرة، انطلاقاً من الواقع ومن المخيلات الخصبة.
هذا ما لم تعرفه اتحادات الكتّاب العرب (إلاّ عند بعضها وبشكل نسبي) الثورة السورية واسعة جداً ومتعددة ومفتوحة ومختلفة تضم الشرائح السياسية والأثنية والدينية، والفكرية والجغرافية وما كان لها ان تبقى أسيرة اتحاد كتاب عرب حزبي ومرتبط بالأجهزة الأمنية والسياسية الأحادية. اتحاد كتاب عرب من دون كتابه السوريين الكبار. اتحاد كتاب عرب من موظفين معينين من الأجهزة. فأي اتحاد هذا يسلم كتابه أنفسهم للسلطة، ليكونوا بوقها، وذراعها. وأصداءها وعيونها، يساندون قمع الثقافة وسجن المثقفين او حتى قتلهم. أي اتحاد هذا يتواطأ مع النظام في ما يرتكبه من فساد ودمار وقصف وتهجير! انه النموذج المثالي لاتحادات عربية وشمولية، تحول فيها الكاتب إلى لا شيء. إلى خرقة. إلى رهينة. إلى سلعة تباع وتشترى، فالاتحاد لا يتمتع باستقلالية ما، هو اتحاد نافل، والذي لا يعبر عن تعددية فكرية حرة هو اتحاد ميت واتحاد لا يضع الثقافة في خدمة الانسان وقيمه، وفي فضاء الثقافة وحرياتها غير المحدودة هو اتحاد هجين، ليس أكثر من عدو نفسه، وعدو ابداعه وعدو المجتمع. والتطور.. والتقدم.. انه اتحاد ينفي دور الثقافة والمثقف ازاء سطوة الطغيان والأوليغارشية والقمع وينفي دور الثقافة في بناء الحياة.
ونظن ان نجاح عملية التصويت التي اسفرت عن تشكيل الأمانة العامة والمكتب التنفيذي والتي ضمت كبار الكتاب والكاتبات والمفكرين والملتزمين هي مفتتح جديد لنظام جديد ولمناخ جديد تستعيد فيه الثقافة دورها الأمامي الاستكشافي، التفاعلي، والمؤثر في بنيان المجتمع والمؤسسات والفضاءات الملائمة للعطاء والانتاج.
ونظن ان البيان الذي صدر بعد اعلان النتائج والتحاليل التي رافقته، واستنتاجاتها عن العملية الانتخابية الأولى لرابطة اتحاد كتّاب سوريين مستقلة توضح كثيراً من رأينا، ومقاربتنا باعتبار اننا مع الزملاء الكتاب نوري الجراح، ومحمود الريماوي، وزهير الشايب، تشاركنا في وضع هذا البيان.
ولهذا نورده هنا كاملاً.
… والبيان والوقائع والدلالات
اجتمعت في القاهرة على مدار الأيام الثلاثة 17-18-19 اللجنة المشرفة على انتخابات الأمانة العامة لرابطة الكتاب السوريين المؤلفة من الاساتذة الشاعر بول شاوول (لبنان)، الكاتب القصصي محمود الريماوي (الاردن)، الشاعر زهير ابو شايب (فلسطين)، الشاعر نوري الجراح (سوريا)، وبغياب الشاعر حسن نجمي (المغرب) لأسباب قاهرة.
وقد قامت اللجنة بفتح صندوقي الاقتراع الالكتروني الأول المتمثل بموقع الرابطة والثاني المتمثل بصندوق بريد vote@syrianswa.com
وبعد ان تأكدت من تطابق النسخ المستخرجة عن أصلها الالكتروني المرسل مباشرة من المقترعين، وبنتيجة فرز الأصوات واحصائها، وبعد ان استبعدت اللجنة التكرار وكذلك استبعدت الأصوات التي ادلى بها مصوتون غير مسجلين في الرابطة.
تعلن اللجنة النتائج النهائية التي اسفرت عنها عملية التصويت، وجاءت على النحو التالي:
نال كل من الكاتبات والكتاب المرشحين المدرجين في الجدول المنشور هنا النتائج المبينة:
صادق جلال العظم (99 صوتا)
روزا ياسين حسن (96)
فرج بيرقدار (92)
فواز حداد (92)
رشا عمران (92)
لينا الطيبي (90)
ريم الجباعي (89)
جورج صبرا (89)
حسين العودات (89)
خطيب بدلة (88)
خلدون الشمعة (82)
عبد الرزاق عيد (79)
حسام الدين محمد (79)
محمد شحرور (78)
إسلام أبو شكير (77)
عبد الناصر العايد (77)
مفيد نجم (49)
حليم يوسف(74)
ابراهيم اليوسف (73)
منذر المصري (71)
فاروق مردم بك (71)
طالب. ك. ابرهيم (71)
ياسر خنجر (68)
بشير البكر (66)
عادل بشتاوي (63)
أحمد الحسيني (62)
عائشة ارناؤوط (62)
فايز سارة (59)
أكرم البني (52)
خليل النعيمي (52)
عمر إدلبي (51)
عماد الدين موسى (45)
عبد الرحمن حلاق (43)
مطاع صفدي (43).
وبعد فرز الأصوات وظهور النتائج النهائية اجتمعت اللجنة المشرفة على الانتخابات وحللت النتائج وناقشت الاحتمالات المختلفة لطريقة تأليف المكتب التنفيذي. وبعد مناقشات معمقة لمختلف الجوانب واستناداً الى مراجعة اعلانات الرابطة المنشورة وكذلك الاعلان الأول للتأسيس والأدبيات التي تلت، توصلت اللجنة بالاجماع الى ان الفائزين الثلاثة عشر الأوائل الذين حازوا اعلى نسبة من الأصوات هم الذين يؤلفون تلقائياً هيئة المكتب التنفيذي على ان يتفقوا في ما بينهم على طريقة توزيع المناصب. اما بالتوافق، او بالتصويت.
يهمنا ان نسجل هنا بعض المعطيات الاساسية التي نتجت عن هذه الانتخابات وهي:
اولاً: عدد المسجلين بالرابطة: 207 أعضاء
ثانياً: بلغ عدد المرشحين 60 مرشحاً.
ثالثاً: بلغ عدد الذين أدلوا بأصواتهم 107
وعليه تجاوزت نسبة التصويت الـ 50 بالمئة.
ورأت اللجنة ان هذه النتيجة تسجل نجاحاً مهماً لأول انتخابات ديموقراطية لهيئة مدنية سورية منذ نصف قرن، وعلى الرغم من كل الظروف التي أحاطت بهذه العملية سواء بالنسبة للأعضاء الموجودين في داخل سوريا أو في المنافي وأماكن اللجوء، وتسجل ايضاً ربما للمرة الأولى الدور الطليعي للثقافة في الثورة وفي استعادة دورها في بناء المجتمع المدني بعدما كانت مهمشة ومصادرة ومرتهنة.
ولاحظت اللجنة ان من اهم ما في عملية التصويت هذه ونتائجها هذه التعددية الخصبة التي ضمتها الهيئة المنتخبة والتي تشكل علامات المكونات الأساسية للمجتمع السوري من عناصر فكرية واثنية ودينية وحزبية بحيث تجاوزت وللمرة الأولى ربما أحادية الاتحادات الحزبية ذات الصوت الواحد، وهذا رد مباشر على ما يروجه النظام الاستبدادي من اتهامات للثورة السورية تمس بمدنيتها وسمليتها، لأن اللجنة ارتأت ان سلمية الثورة السورية كما انطلقت تجسدت في هذه الانتخابات الديموقراطية وهذا ما يوحي عن تطلعات الشعب السوري على بناء مجتمع واحد لا احادي متعدد ومتلاقح ومتواصل وبناء.
وازاء ما يروح تشويهاً لمكانة المرأة من تفاسير مختلفة لتكون ذرائع لتهميش دورها ومصادرة ارادتها وحقوقها المدنية ومشاركتها الكاملة الحرة في المجتمع، فان هذه الانتخابات الاتحادية والروابطية قد تكون الأولى في العالم العربي التي تتصدر فيها المرأة حضوراً معنوياً وثقلاً عددياً في الترشح والتصويت والنتائج. وقد عبرت الانتخابات هذه عن روح الثورة السورية وموقفها الايجابي من المرأة ككائن خلاق ومبدع وغير منتقص من دوره في بناء المجتمع المدني والوطني والثقافي.
وتؤكد هذه النتائج عدم الفصل بين المرأة مثقفة وكاتبة وبينها مناضلة واماً ومربية وصامدة في الداخل السوري في وجه الطغيان وفي امكنة اللجوء بحيث من الطبيعي ان تتقاسم المرأة كل الأدوار التي تفرضها عليها التحديات.
ان طليعية الظاهرة الانتخابية للرابطة ما هي إلا علامة وطريق يمكن ان تهتديه الروابط وادوات المجتمع المدني سبيلاً لها من تجاوزها الارتباطات الرسمية المباشرة وارتهانها المادي والمعنوي والسياسي والاجتماعي بالسلطة الديكتاتورية.
فاذا كانت الأنظمة الشمولية تفرض اتحاداً واحداً ونقابة واحدة فان هذه الانتخابات توحي بوجوب ان تتجاوز هذه الاتحادات احادية التمثيل لتلبية تعددية المجتمع.
وقد بدأت تباشير هذه الخطوات المتحررة في بعض الروابط التي بدأت فعلاً تتشكل على اساس ديموقراطي وحر وغير موجه ومنفصل عن ارادة الأجهزة الأمنية والسياسية الرسمية وهذا ما يجعلها تعبر عن تطلعات الناس وهمومهم ومشاكلهم وليس عن هواجس السلطة.
من هنا علينا وعلى الروابط السائدة أن تسأل السؤال الشرطي والأساسي والوجودي: لماذا يجب ان يكون هناك في بلداننا نقابة واحدة او اتحاد واحد أو رابطة واحدة أو هيئة واحدة سواء كانت سينمائية أو أدبية أو فكرية أو فنية أو فلسفية أو عمالية أو فلاحية.